دين – شهدت العاصمة التشادية، انجمينا، احتفالا ضخما حاشدا بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف. نظمها المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، مساء السبت 11 ربيع الأول 1446 الموافق 14 سبتمبر، في قصر الثقافة والفنون، بحضور لفيف من المسؤولين والشخصيات الدينية والاجتماعية ، بالإضافة إلى حشد كبير من المواطنين من مختلف شرائح المجتمع.
النص الكامل لخطاب رئيس المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بجمهورية تشاد بهذه المناسبة
- السيد ممثل رئيس الجمهورية، رأس الدولة؛
- السادة الوزراء؛
- السادة ممثلو المؤسسات الكبرى في الدولة؛
- السادة السفراء وأعضاء السلك الدبلوماسي؛
- السيد عمدة بلدية أنجمينا؛
- جلالة سلطان مدينة أنجمينا وضواحيها؛
- جلالة السلاطين والكناتو الحاضرين معنا في هذه المناسبة السعيدة؛
- جلالة سلطان مدينة كسري وضواحيها من دولة الكمرون الشقيقة والوفد المرافق له؛
- السادة عمداء البلديات بالدوائر العشرة لمدينة أنجمينا؛
- أصحاب الفضيلة أعضاء المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بجمهورية تشاد؛
- أصحاب الفضيلة رؤساء المجالس الفرعية في جميع المديريات؛
- أصحاب الفضيلة أعضاء البعثة الأزهرية في تشاد.
- الإخوة في الوطن والإنسانية المسيحيون: بروتسانت وكاتوليك؛
- السادة أعضاء الجمعيات الإسلامية والإنسانية والنسائية؛
- السادة رجال الإعلام والأمن والحراسة؛
- السادة المدعوون عموما كلا بصفته ولقبه.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
فلله الحمد في الأولى والآخرة وإليه المرجع المئاب. نحمده سبحانه وتعالى الذي بلغنا شهر ربيع الأول، الشهر الذي برز فيه نور الوجود سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من عالم الأرواح إلى عالم المادة، الشهر الذي استدار فيه الزمان وصار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض.
فمرحبا بك يا خير مولود ويا أكرم موجود.وبكرمه صرنا أكرم أمة (بأكرم الرسل كنا أكرم الأمم).
الجمع الكريم، فقد مرت قرون كانت البشرية فيها تعيش في ظلام الجهل والحيرة والفراغ العقلي والخواء الروحي والتفكك الاجتماعي فالقوي فيها يأكل الضعيف، والضعيف مهضوم الحقوق مما جعل الكل ينتظر فرج السماء وفجأة دقت ساعة الصفر ودارت عجلة التاريخ ابتداء من ليلة الثاني عشر من ربيع الأول- (فوضع المصطفى وحق الهناء).
( والجن تهتف والأنوار ساطعة والحق يظهر من معنى ومن كلم). فهنيئا للبشرية بانكشاف الغمة وزوال العتمة ، وإعلان حرية الإنسان من عبودية العجز وعبودية الهوى ( متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ).
وهنيئا لها بميلاد المصطفى للرسالة والمجتبى للنذارة الذي جاءنا بالبشري فبشر وانذر وعند ما نزل عليه قوله تعالى: (( فأصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين)) وقف على الصفا وأعلن على رءوس الأشهاد قائلا (يا أهل مكة، إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد). فانتبهت البشرية من غفوتها، ودوت كلمة الله عبر الأثير فأسمعت الأذان الصماء وفتحت القلوب المغلغة وعمت أركان المعمورة (فقد دان ما بين الأحابيش والتركي)؛ وصار الدين لله ((ألا لله الدين الخالص)) والمنهج: منهج الله، (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه). وصار الطريق واضح المعالم، ( تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها فلا يضل عنها إلا هالك ) صلى الله عليك يا نبي الرحمة وحادي الأمة وكاشف بإذن الله الغمة، فإننا نشهد بأنك بلغت الرسالة وأديت الأمانة ونصحت الأمة وجاهدت في الله حق جهاده، وتركت أمة قوية الأواصر متينة العرى مهوبة الجانب ولكن !
وماذا بعد لكن! يا أمة محمد فهل نحن الآن نمثل الأمة التي وصفها الله سبحانه وتعالى بقوله:
((كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله)). أو إنه صدق علينا قوله صلى الله عليه وسلم (تتداعي عليكم الأمم كما تتداعي الأكلة على قصعتها فقيل له: أمن قلة فينا يا رسول الله؟ فقال بل أنتم كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ياللهول!
الجمع الكريم، نحن إذا نظرنا إلى العالم الآن وهو يئن تحت وطأة الحروب المدمرة والإرهاب المفزع والأمراض الفتاكة والجوع والعطش والفيضنات التي تغمر جانبا من الكون والحرائق التي تلئهم الجانب الآخر. وإذا نحن عرفنا ذلك، فينبغي على الكل الرجوع إلى الله بالإيمان والتوبة والإنابة. ولنغير ما بأنفسنا لكي يغير الله سبحانه وتعالى ما بنا. قال تعالى: ((إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم))، ولنتمسك بهذا الدين الذي ارتضاه الله للبشرية جمعاء وجعل غايته السعادة في الدنيا والآخرة.
ولنتأسى بقائدنا الأول رسول الإنسانية صلى الله عليه وسلم فعندما بعثه الله هاديا ونذيرا دعا القوم إلى الله ولكنهم بادلوه العداء وأمعنوا في أذاه. فذهب إلى الطائف ولم يجد نصيرا كر راجعا إلى مكة. فجاء إليه ملك الجبال وقال له لو أمرتني لأطبقن عليهم الأخشبين. فقال له الرءوف الرحيم، إني آمل أن يخرج من أصلابهم من يعبدالله. هذا هو خلق التسامح. ولما تجمع القوم وجاءوا إلى عمه أبي طالب قائلين له: إن ابن أخيك سب آلهتنا وسفه أحلامنا فإذا كان بفعله هذا يطلب مالا جمعناه له حتى يكون أكثرنا مالا وإذا كان يريد ملكا ملكناه علينا وإذا كان مجنونا طلبنا له الطبيب. وإلا فننازلك حتى يفني الحيان فدعاه عمه ليخفف عنه وعن قومه-فهل ضعفت قواه لا والله، وهو الذي نزل في حقه: فإذا عزمت فتوكل على الله. وقوله تعالى: (( والله يعصمك من الناس)).
فماذا قال ردا على طلب عمه هذا؟
ياعم والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه. وهذا هو خلق العزم وها هو يجمع الأوس والخزرج في بيعتي العقبة الأولى والثانية تمهيدا لإقامة دولة الإسلام. وها هو يعقد معاهدة بين المسلمين والمنافقين واليهود لتكوين الدولة المتعددة الأطياف. وها هو داخل إلى مكة فاتحا، وقد وقف أمامه صناديد قريش تعلوهم المذلة والهوان. فقال: (مخاطبقا إياهم: يأهل مكة، إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية والتفاخر بالإباء والأنساب. فماذا ترون أني فاعل بكم؟ فقالوا أخ كريم وابن أخ كريم.
فقال: اذهبوا فأنتم الطلقاء وهذا هو خلق الرحمة. الله أكبر وصدق الله العظيم حيث قال: (( لقد جاء كم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف الرحيم)).
الحفل الكريم؛ فما الدروس التي نستفيدها من هذه المواقف العظيمة نستفيد منها الآتي:
1- المحافظة على وحدة الوطن ونشر ثقافة السلام بين صفوف المواطنين؛
2- السعي إلى توحيد مكونات المجتمع كالأحزاب السياسية والجمعيات المدنية، والنقابات العمالية، والهيئات الدينية، وتوحيدهم تحت إطار الوطنية والمواطنة الآمنة؛
3- درء المفاسد التي تنشأ عن النزاعات القبلية، والأثينية؛
4- السعي إلى الإشفادة الكاملة من تجارب الماضي ومبشرات المستقبل من أجل إقامة دولة متماسكة الأوصال: أرضا وشعبا وحكومة؛
وعندها سيحمد القوم السرى.
الحفل الكريم، فلنتذكر قول الله سبحانه وتعالى: (( واعلموا أن فيكم رسول الله)) فهو فينا الآن بذكراه، فينا الآن بسنته، فينا الآن بأخلاقه المتمثلة في القرآن الكريم.
فينبغي علينا أن نستفيد من هذه الذكرى: عظيم المعاني وأشرف الصفات ولنكن دعاة إلى منهج الله بالحكمة والموعظة الحسنة حتى تتحقق الخيرية في هذه الأمة لتكون أمة صالحة في آخرها كما صلحت في أولها- ولنتذكر هذا المولود الذي بدأ بميلاده سريان الخيرية في شرايين الأمة ولنربي أولادنا على أتباعه ليجدوا بذلك محبة الله، ((قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله)).
ولنحمي شبابنا من موجه الإلحاد التي بدأت تنخر في جسد الجيل الحاضر ولنضعهم في طريق الإسلام الحق ولنكن سلما وسلاما للكل. ولنكن سدا منيعا لنحمي الأمة من تلك الموجات التكفيرية الإرهابية التي تندفع على غير هدى من الله.
الحضور الكرام: نعم الله علينا كثيرة فلنحمده سبحانه وتعالى ولنطلب منه المزيد من فضله (لأن شكرتم لأزيدنكم). حيث من علينا بتوحيد الكلمة، وتوحيد الرؤى. فنسألك يارب التوفيق لما تحب وترضى من القول والعمل حتى تعود إلينا هذه المناسبة في عامنا القادم وقد شيدنا أركان دولتنا وأوضحنا معالم الحياة الفاضلة لمجتمعنا ووضعنا المشاعل التي تضيء الطريق لأجيالنا القادمة.
حمانا الله من كل سوء وحمى بلادنا خاصة وبلاد المسلمين عامة من كل مكروه إنه ولي ذلك والقادر عليه وأهنئكم مرة أخرى بحلول ذكرى مولد النور والهدى، وكل عام والكل بألف خير.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته!
رئيس المجلس الأعلى
الشيخ الدكتور/ محمد خاطر عيسى