جنيف – أطلقت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تحذيراً شديد اللهجة بشأن تفاقم الأزمة الإنسانية في شرق تشاد، بعد أن تضاعف عدد اللاجئين السودانيين الذين لجأوا إلى البلاد خلال أكثر من عامين من النزاع المسلح في السودان.
ووفقاً للمفوضية، فقد عبر أكثر من 844,000 لاجئ سوداني إلى تشاد منذ اندلاع القتال في أبريل 2023، ليرتفع العدد الإجمالي للاجئين السودانيين في البلاد إلى أكثر من 1.2 مليون شخص، مقارنةً بـ409,000 لاجئ قبل بداية الأزمة الأخيرة. وتشكل هذه الزيادة الضخمة ضغطاً يفوق قدرات تشاد على الاستجابة الإنسانية، خاصة مع محدودية الموارد وضعف البنية التحتية.
موجة نزوح جديدة بعد أحداث دامية في دارفور
بدأت موجة النزوح الأخيرة في أواخر أبريل 2025، عقب الهجمات العنيفة التي شنتها جماعات مسلحة في شمال دارفور، والتي طالت مخيمات للنازحين في زمزم وأبو شوك، بالإضافة إلى مدينة الفاشر. وأسفرت هذه الهجمات عن مقتل أكثر من 300 مدني، وتسببت في فرار عشرات الآلاف بحثاً عن ملاذ آمن.
وخلال شهر واحد فقط، استقبلت مقاطعتي وادي فيرا وإنيدي الشرقية نحو 68,556 لاجئاً، بمتوسط يومي بلغ 1,400 شخص. وأفادت المفوضية بأن العديد من الفارين اضطروا للهرب تحت وابل من الرصاص، مروراً بنقاط تفتيش تسيطر عليها جماعات مسلحة تفرض قيوداً قاسية وتمارس الابتزاز.
شهادات مروّعة: عنف وانتهاكات وتجارب قاسية
كشفت مقابلات أجرتها فرق الحماية التابعة للمفوضية مع 6,810 لاجئين مؤخراً، عن حجم المأساة. حيث أبلغ 72% منهم عن تعرضهم لانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، منها العنف الجسدي، والانتهاكات الجنسية، والاحتجاز التعسفي، والتجنيد القسري. كما أفاد 60% من اللاجئين بأنهم انفصلوا عن أفراد أسرهم خلال رحلات النزوح.
الأطفال في قلب الكارثة
أوضحت المفوضية أن الأطفال يشكلون نسبة كبيرة من النازحين، حيث 66% منهم في سن الدراسة محرومون من التعليم، في حين وصل ما لا يقل عن 30 طفلاً مصابين بجروح خطيرة.
ومن بين القصص المؤلمة التي وثقتها المفوضية، قصة الطفلة حواء ذات السبع سنوات، التي فقدت والديها وشقيقيها في قصف على مخيم زمزم، قبل أن تتمكن من الفرار إلى تشاد مع شقيقتها الكبرى. أصيبت حواء بجروح بالغة أدت إلى بتر ساقها. وتعد قصتها نموذجاً مأساوياً للثمن الإنساني الباهظ الذي يدفعه المدنيون جراء الصراع.

تحذير من الوصول إلى “نقطة اللاعودة”
حذّرت المفوضية من أن الأزمة في السودان تقترب من “نقطة اللاعودة”، مع استمرار موجات النزوح وتدهور الأوضاع داخل البلاد وفي دول الجوار. وعلى الرغم من الجهود الحثيثة من قبل المنظمات الإنسانية والسلطات المحلية، إلا أن الاستجابة ما تزال تعاني من نقص حاد في التمويل، حيث لم تُلبَّ سوى 14% فقط من الاحتياجات الإنسانية حتى الآن.
ويعاني اللاجئون من أوضاع معيشية قاسية، إذ يحصل الفرد حالياً على 5 لترات فقط من المياه يومياً، أي أقل بكثير من الحد الأدنى المطلوب (15-20 لتراً). كما أن نحو 290,000 لاجئ ما زالوا عالقين على الحدود، معرضين للطقس القاسي وانعدام الأمن وخطر العنف المتجدد.
دعوة إلى تحرك دولي عاجل
شددت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين على ضرورة أن يعترف المجتمع الدولي بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي تُرتكب في السودان، والعمل على وقفها فوراً. فالقيود المفروضة من قبل الجماعات المسلحة على التنقل وانتشار نقاط التفتيش في مدينة الفاشر ومحيطها، تجعل الخروج من مناطق النزاع محفوفاً بالمخاطر.
نداء إنساني عاجل
في إطار الاستجابة الإقليمية، تسعى المفوضية وشركاؤها في تشاد للحصول على 553.7 مليون دولار أمريكي لتوفير المساعدات الأساسية، بما يشمل المأوى والغذاء والمياه وخدمات الصرف الصحي والحماية. وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 4 ملايين شخص فرّوا من السودان إلى الدول المجاورة منذ اندلاع النزاع – ما يجعلها واحدة من أكبر أزمات النزوح في العالم اليوم.
وخلصت المفوضية إلى أن استمرار النزاع سيؤدي إلى مزيد من التهجير، ما يهدد الأمن الإقليمي والدولي. وذكّرت بأن أزمة السودان هي في آنٍ واحد أزمة إنسانية وأمنية وطفولية، فمستقبل الملايين من الأبرياء، وفي مقدمتهم أطفال مثل حواء، معلق على سرعة الاستجابة الدولية.
اعداد / بكر محمد محمد

.