في تحول سياسي مفاجئ، يعيد سكسيه ماسرا، أحد أبرز الشخصيات السياسية في تشاد، تشكيل استراتيجيته من خطاب متشدد إلى آخر أكثر اعتدالًا. هذا التحول يثير تساؤلات كثيرة حول أهدافه الحالية وطموحاته المستقبلية. فما الذي يسعى إليه ماسرا اليوم؟ وهل هذا التحول يأتي في سياق سعيه للنفوذ السياسي الجديد؟
التذبذب السياسي والتحولات غير المتوقعة
منذ دخوله الساحة السياسية التشادية، تميز ماسرا بتناقضات واضحة في تصريحاته ومواقفه، مما جعله في نظر الكثيرين شخصية متقلبة وغير ثابتة. فقد دأب على إطلاق تصريحات نارية تهدد النظام السياسي القائم، قبل أن يعود ليغير مواقفه في فترات لاحقة. هذا التذبذب المستمر في المواقف جعل الكثير من المحللين السياسيين يشككون في قدرته على أن يكون قائدًا ثابتًا، ما فتح المجال للانتقادات حول عدم استقرار سياسته.
من تصريحات متشددة إلى سياسة أكثر مرونة
كانت بداية ماسرا على الساحة السياسية محمّلة بتصريحات حادة، حيث صوّر نفسه كزعيم معارض يقف في وجه الفساد والاستبداد. لكن، في الآونة الأخيرة، يبدو أنه يتراجع عن خطابه التصعيدي لصالح خطاب أكثر مرونة، ما يعكس محاولة لتعديل استراتيجيته في سياق الأوضاع السياسية الحالية. يثار هنا تساؤل جوهري: هل يسعى ماسرا إلى الحصول على دور سياسي جديد في الحكومة المقبلة؟ أم أن هذا التحول يأتي كجزء من سعيه لكسب نفوذ في المشهد السياسي؟
محاولات لتغيير المواقف… والنتائج غير المحققة
على الرغم من حملاته المتواصلة ولقاءاته مع أطراف دولية، لم تنجح محاولات ماسرا السابقة في تحقيق تغييرات جذرية في النظام التشادي. فعلى الرغم من محاولاته المستمرة لكسب الدعم الخارجي وإطلاق حملات إعلامية لتشويه صورة النظام القائم، إلا أنه وجد نفسه في النهاية على الهامش، مما يثير التساؤل حول جدوى مساعيه السابقة، خصوصًا فيما يتعلق بتصوير نفسه كبديل سياسي محتمل.
استراتيجية الانقسام والتحديات الشعبية
في إطار سعيه لتعزيز مكانته السياسية، تبنى ماسرا في بعض الأوقات خطابًا مليئًا بالاستفزازات والمصطلحات القاسية، التي استهدفت بعض المكونات الاجتماعية في البلاد، بل تطرق في مناسبات عديدة إلى فكرة تقسيم البلاد بين الشمال والجنوب. هذه الخطوة، التي كانت تهدف إلى تعزيز قاعدة جماهيرية معينة، قوبلت برفض شعبي واسع، مما زاد من تعقيد موقفه السياسي. ومن الواضح أن هذه المحاولات لم تثمر عن نتائج إيجابية، مما دفعه إلى إعادة النظر في استراتيجيته السياسية.
ماذا يريد التشاديون؟
اليوم، مع تغير المشهد السياسي، أصبح التشاديون أكثر قدرة على تقييم ماسرا بعيدًا عن شعاراته السابقة. على الرغم من أنه قد يحمل مؤهلات أكاديمية مرموقة، إلا أن الواقع السياسي في تشاد يفرض على الجميع أن يكونوا على دراية بحقيقة الأمور: ماسرا فشل في إقناع الشعب بأنه الشخص الأنسب لقيادة البلاد نحو مستقبل أفضل.
ما الذي يخبئه المستقبل؟
في توقيت محوري، يأتي تحول ماسرا في مواقفه ليطرح العديد من التساؤلات. هل هو مجرد تغيير تكتيكي بهدف الحصول على مقعد في الحكومة المقبلة؟ أم أنه اعتراف ضمني بأن المعارضة بمفردها لا تكفي لتحقيق التغيير؟ في كل الأحوال، لا يمكن الجزم بوجود نية حقيقية لتغيير المسار السياسي في البلاد، خصوصًا إذا كانت نوايا ماسرا محكومة بأهداف سياسية ضيقة.
الخلاصة:
مهما تغيرت مواقف سكسيه ماسرا أو تعددت استراتيجياته السياسية، يبقى أن الشعب التشادي يستحق قيادة أكثر استقرارًا واتزانًا. إن التغيرات في المواقف السياسية لا تكفي وحدها لبناء ثقة حقيقية بين القائد والشعب، خصوصًا إذا كانت تلك التغيرات تهدف إلى تحقيق مصالح شخصية أو تكتيك سياسي مؤقت. في عالم السياسة، كما في الحياة، يتعين على القائد أن يظهر ثباتًا على مبادئه وقيمه، وأن يسعى بجدية إلى تحقيق مصالح وطنه وشعبه بعيدًا عن التقلبات والمواقف المتذبذبة التي قد تضر بمستقبل البلاد.
صحيح أن التغيير قد يكون ضروريًا في بعض الأحيان، لكن هذا التغيير يجب أن يكون ناتجًا عن رؤية واضحة وأهداف استراتيجية تهدف إلى تحقيق الاستقرار والازدهار، وليس مجرد تفاعل مع المستجدات السياسية العابرة. كما أن الحكمة الشعبية تقول: “الذئب لا يتحول إلى حمل”، في إشارة إلى أنه لا يمكن تغيير جوهر الشخص بمجرد تبديل مواقفه الظاهرة، الأمر الذي يتطلب من الشعب التشادي البحث عن قيادة قادرة على إرساء أسس استقرار دائم وبناء مستقبل مشرق بعيدًا عن التقلبات السياسية التي قد تعيدهم إلى مربع الصفر.
مهما تغيرت مواقف سكسيه ماسرا، فإن الشعب التشادي يستحق قيادة أكثر استقرارًا واتزانًا. في عالم السياسة، كما في الحياة، لا يمكن أن يتغير الجوهر بتغير المواقف، والحكمة تقول: “الذئب لا يتحول إلى حمل”.