الانتخابات.. أميركا 24 : ترامب سيعود إلى البيت الأبيض في يناير 2025

بعد فوزه بولاية رئاسية جديدة

واشنطن – في مشهد أعاد إلى الأذهان أصداء التاريخ، حقق دونالد ترامب فوزا كبيرا ليصبح ثاني رئيس في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية يفوز في الانتخابات الرئاسية لولايتين غير متتاليتين، بعد غروفر كليفلاند. وحتى صباح الأربعاء، حقق ترامب 277 صوتا من أصوات المجمع الانتخابي، في حين حصلت المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس على 224 صوتا. ويحتاج المرشح إلى 270 صوتا على الأقل من أصوات المجمع الانتخابي للفوز بانتخابات الرئاسة الأميركية.

ومع هذا الإنجاز الفريد، يستعد ترامب للعودة إلى البيت الأبيض في يناير المقبل، ليكمل رحلة بدأت منذ سنوات، برؤية طموحة وشخصية قوية فرضت بصمتها على المشهد السياسي الأميركي وأخرجته عن تقليديته المعهودة.

وبعد سنوات من مغادرته البيت الأبيض، سيعود ترامب محملا بآمال مؤيديه وإرادتهم، ليعيد صياغة المشهد الأميركي من جديد.

وهذا الفوز هو امتداد لقصة شخصية أميركية نجحت في تحقيق المعادلة الصعبة: كسب ثقة قاعدة شعبية واسعة، وتحدي النمط التقليدي للعمل السياسي.

ولد دونالد جون ترامب في 14 يونيو 1946 في كوينز، نيويورك، ونشأ وسط عائلة تعمل في مجال العقارات بقيادة والده فريد سي. ترامب.

وكان لأعمال العائلة في عالم العقارات دور كبير في تشكيل مسار ترامب، الذي انطلق نحو تحقيق نجاحات ملحوظة في مجال الاستثمارات العقارية، ليصبح من أبرز رجال الأعمال في أميركا، ولاحقا شخصية مؤثرة في الساحة السياسية.

ترامب سيعود للبيت الأبيض في يناير 2025

 الطفولة والنشأة

نشأ ترامب في بيئة زاخرة بالفرص، إذ كانت عائلته تمتلك شركة عقارية ناجحة تحمل اسم “إليزابيث ترامب آند صن”، أسسها جده، فريدريك ترامب. كبر دونالد مع إخوته في بيت يهتم بالأعمال والانضباط، ويشجع على المثابرة والسعي لتحقيق النجاح.

وفي محاولة لتنمية الانضباط في شخصيته، قرر والده إرساله إلى أكاديمية نيويورك العسكرية في سن الثالثة عشرة، حيث برزت شخصيته القيادية واستفاد من التدريب والانضباط في تلك الأكاديمية، وهو ما تحدث عنه لاحقا بإعجاب.

دونالد ترامب مع والده فريد

المشوار المهني

بعد تخرجه من جامعة بنسلفانيا بشهادة في الاقتصاد من كلية وارتون الشهيرة عام 1968، عاد ترامب للعمل في شركة والده.

بفضل رؤيته الطموحة، استطاع توسيع أعمال العائلة العقارية من خلال استثمارات ذكية خارج مدينة نيويورك، في ولايات مثل فرجينيا ونيفادا وكاليفورنيا، مما عزز مكانته كرائد في مجال العقارات.

في عام 1976، حقق ترامب إنجازا نوعيا عندما قاد مشروع تطوير فندق “غراند حياة” على أنقاض فندق كومودور القديم.

وفي الثمانينيات، رسّخ اسمه في عالم العقارات عبر مشاريع مثل “ترامب بلازا” و”برج ترامب”، الذي أصبح معلما في قلب نيويورك. كان برج ترامب رمزا للرفاهية والفخامة، وشكل مقرا لشركته ومسكنه الخاص.

ولم تقتصر مشاريع ترامب على العقارات فقط، بل توسعت لتشمل قطاع الكازينوهات، حيث أسس عدة كازينوهات وفنادق في أتلانتيك سيتي، نيوجيرسي، منها “ترامب بلازا” و”تاج محل”، الذي أُطلق عليه “العجيبة الثامنة في العالم”.

وتركت هذه المشاريع بصمة واضحة على مجال العقارات والترفيه، ما جعل اسم ترامب مرادفاً للفخامة والنجاح.

النشر وصناعة الترفيه

بالإضافة إلى نجاحاته العقارية، خاض ترامب تجربة النشر، حيث أصدر العديد من الكتب، أبرزها “فن الصفقة” عام 1987، الذي اعتبر دليلا للنجاح في الأعمال، ويعكس رؤيته وفلسفته الخاصة في الاستثمار.

ووسع استثماراته إلى مجالات متنوعة، بدءا من ملاعب الغولف وحتى المنتجات الاستهلاكية. وقد ساهمت هذه الاستثمارات في تعزيز سمعته كرائد أعمال متعدد الاهتمامات.

خلال تسعينيات القرن الماضي وحتى عام 2015، امتلك ترامب حقوق مسابقات ملكة جمال الولايات المتحدة وملكة جمال الكون.

ولمع اسمه في عالم الترفيه بفضل برنامجه الشهير “The Apprentice”، الذي عرض على قناة NBC منذ 2004 حتى 2015، حين أظهر قدراته في الإدارة واتخاذ القرارات الحازمة.

أصبح البرنامج علامة مميزة، عززت من شعبيته ومهدت الطريق لترشحه للانتخابات الرئاسية.

فندق ترامب في العاصمة واشنطن

الرحلة نحو الرئاسة

في عام 2016، خاض دونالد ترامب السباق الرئاسي، وتمكن من الفوز على منافسته الديموقراطية، هيلاري كلينتون، ليصبح الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة.

أثار هذا الفوز ضجة كبيرة، إذ تمكن ترامب من جذب قاعدة شعبية واسعة، بفضل خطابه الجريء وشعاراته التي ركزت على إعادة العظمة لأميركا.

حقق ترامب سلسلة من الإنجازات خلال فترة رئاسته التي امتدت من 2017 حتى 2021. كان أبرزها على الصعيد الاقتصادي، حيث شهد الاقتصاد الأميركي نموا غير مسبوق، وانخفضت معدلات البطالة إلى مستويات تاريخية.

وشملت سياسته الاقتصادية تخفيض الضرائب وتقليص القيود التنظيمية، ما ساهم في خلق فرص عمل جديدة وزيادة الأجور.

وركزت إدارته على تحقيق استقلالية الطاقة للولايات المتحدة، إذ شجعت على إنتاج النفط والغاز الطبيعي.

أما في مجال السياسة التجارية، فقد أعاد ترامب التفاوض على عدد من الاتفاقيات التجارية، أبرزها اتفاقية الولايات المتحدة والمكسيك وكندا (USMCA)، التي كانت بديلا لاتفاقية نافتا القديمة.

كما ترك ترامب أثرا إيجابيا على صعيد العلاقات الدولية من خلال اتفاقيات عدة، كان أبرزها “اتفاقيات إبراهيم” التي ساهمت في تطبيع العلاقات بين إسرائيل وعدة دول عربية، مثل الإمارات والبحرين والمغرب. كما عزز العلاقات مع دول أخرى من خلال مفاوضات واتفاقات تصب في مصلحة أميركا وحلفائها.

خلال فترة رئاسته، عين ترامب أكثر من 200 قاض فيدرالي، بما في ذلك ثلاثة قضاة في المحكمة العليا، ما شكل تحولا هاما في النظام القضائي الأميركي.

وتمكنت إدارته من تمرير قانون “First Step Act” لإصلاح نظام العدالة الجنائية، والذي يهدف إلى تقليل معدلات العودة للجريمة وتحقيق العدالة في الأحكام القضائية.

ولطالما أثار ترامب الإعجاب بشخصيته القوية وقدرته على تجاوز التحديات، وتمكن من بناء قاعدة جماهيرية كبيرة جعلته أحد الشخصيات البارزة والمؤثرة في الولايات المتحدة.

ورغم خروجه من البيت الأبيض، ظل يتمتع بشعبية واسعة ويدعم قضايا تهم الأميركيين، مما جعله لاعبا رئيسيا في المشهد السياسي.

عزز ترامب استمثاراته في ملاعب الغولف والمنتجعات

على طريق الإفلاس

ورغم النجاح الكبير الذي حققه دونالد ترامب، فإن مسيرته لم تخل من الأزمات المالية. في سن الثلاثينيات، واجه تحديات مالية كبيرة نتيجة توسعاته الطموحة، التي كانت تتطلب قروضا ضخمة لتمويل مشاريعه الفندقية والكازينوهات.

في تلك الفترة، تدخل والده فريد ترامب، الذي كان قد تجاوز الثمانين من عمره، بشراء رقائق كازينو بقيمة تزيد على 3 ملايين دولار لمساعدة الكازينو في سداد الفائدة على ديونه. ولكن تم الحكم على هذه العملية لاحقا كقرض غير قانوني، وفرضت ولاية نيوجيرسي غرامة قدرها 65,000 دولار على ترامب.

على أثر هذه الأزمة، أعلنت شركتان من شركات ترامب إفلاسهما: فندق “ترامب تاج محل” في 1991، و”ترامب بلازا”  عام 1992. 

لكن رغم هذه العقبات، استخدم ترامب قوانين الإفلاس لإعادة هيكلة ديون شركاته بنجاح، واستمر في إدارة أعماله، قائلا في عام 2011: “لقد استخدمت قوانين هذا البلد لتقليص الديون”.

طائرة ترامب الخاصة

السياسة الخارجية

يعبر ترامب عن استيائه مما يعتبره تراجع الاحترام لأميركا عالميا، ويعد بإنهاء النزاعات بسرعة، خاصة الحرب في قطاع غزة، والتي تخوضها إسرائيل ضد حركة حماس. والغزو الروسي لأوكرانيا. ولترامب رؤية مختلفة لملفات السياسة الخارجية، وكثيرا ما عبر عنها مؤكدا أنه سيطبقها في فترته الرئاسية الجديدة.

أوكرانيا وروسيا

يعد ترامب بإنهاء الصراع بشكل سريع. ويشير بعض المراقبين إلى أن هذا الموقف قد يعني احتمال استخدام تقليص المساعدات العسكرية الأميركية كوسيلة للضغط على أوكرانيا للتفاوض مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين.

إسرائيل وغزة

يدعم ترامب حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، لكنه لم يستبعد إمكانية انتصار عسكري إسرائيلي في غزة، ولم ينف احتمال بقاء إسرائيل هناك بعد انتهاء الصراع.

إيران

سبق لترامب كرئيس أن انسحب من الاتفاق النووي الذي وقع في عهد الرئيس الأسبق، باراك أوباما، عام 2015. ومع عدم وجود نية لتغيير كبير في هذه السياسة في المستقبل القريب، يشير المحللون إلى أن أي تصعيد قد يحدث فقط في حالة اندلاع نزاع أكبر بين إيران وإسرائيل.

ترامب في مكتبه الرئاسي بالبيت الأبيض

الصين

عرف ترامب بموقفه المتشدد تجاه الصين، وفرض تعريفات جمركية على واردات صينية، ويتعهد بتوسيع هذه التعريفات بشكل أكبر عند عوته إلى البيت الأبيض. ويرى مؤيدوه في موقفه المتشدد اقتصادية مع الصين حماية للمنتجات الأميركية من المنافسة غير العادلة.

أوروبا والناتو

هاجم ترامب مرارا التحالفات التقليدية لأميركا مع حلف الناتو والاتحاد الأوروبي، مما أثار قلق حلفاء أميركا من احتمالية انسحاب الولايات المتحدة من الناتو في حال فوزه بفترة رئاسية ثانية.

كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية

يواصل ترامب دعوته لإنهاء التدريبات العسكرية المشتركة مع كوريا الجنوبية، ملمحا إلى إمكانية سحب القوات الأميركية من المنطقة إذا لم تدفع سيول مبالغ أكبر لتغطية تكاليفها.

ترامب مع زوجته ميلانيا

الملفات الداخلية

لدى ترامب سجل حافل من المواقف في القضايا المحلية، أبرزها الهجرة والإجهاض:

الهجرة

وقد وعد ناخبيه مجددا بشن حملة صارمة ضد الهجرة غير الشرعية، واتخاذ إجراءات تنفيذية أكثر صرامة. ويعتقد ترامب أن قوانين الحدود الحالية تهديد وجودي للولايات المتحدة، قائلا إن المهاجرين “يسممون دماء بلادنا” ويجلبون “لغات” جديدة. 

ويقول موقع حملته على الإنترنت إن “الرئيس ترامب سيغلق كارثة بايدن الحدودية. فهو سينهي مرة أخرى سياسة الاعتقال والإفراج، ويعيد البقاء في المكسيك، ويقضي على الاحتيال في طلبات اللجوء”.

ووعد ترامب بتفويض الحرس الوطني وسلطات إنفاذ القانون المحلية للمساعدة في القضاء بسرعة على أعضاء العصابات والمجرمين المتورطين في قضايا الهجرة غير الشرعية.

الإجهاض

ترامب كان قد دعم القيود على على الإجهاض على المستوى الفيدرالي حينما كان في البيت الأبيض، لكن يبدو أنه يعيد حساباته، ويقلل من الحاجة إلى فرض حظر فيدرالي، حيث ينقسم الجمهوريون حول هذه القضية.

وقد تفاخر ترامب بأنه “كسر قضية رو ضد وايد” من خلال اختيار ثلاثة من قضاة المحكمة العليا الخمسة الذين أسقطوها، محققا هدف الحزب الجمهوري على مدى أربعة عقود.

ومؤخرا، قال ترامب إن قضية الإجهاض يجب أن تترك للولايات، وهو تحول في موقفه السابق الداعم للقيود الفيدرالية على الحق في الإجهاض.

عودة ترامب إلى الرئاسة ستشكل نقطة تحول في السياسة الأميركية، فهو يجلب معه رؤية ترتكز على شعار “أميركا أولا” ونهجا غير تقليدي على المسرح الدولي. 

وفي ظل حالة عدم الاستقرار الإقليمي والتحديات العالمية، من المرجح أن تثير سياساته تساؤلات حول مستقبل التحالفات الأميركية ودورها في معالجة النزاعات الكبرى، بدءا من الأزمة الأوكرانية وصولا إلى التوترات في الشرق الأوسط وآسيا. 

وعلى الرغم من انتقادات معارضيه، يجد مؤيدوه في سياساته الحزم اللازم لإعادة بناء النفوذ الأميركي، مما يجعل عودته إلى البيت الأبيض بمثابة إعادة تشكيل للمشهد السياسي العالمي وقيم واشنطن الدبلوماسية.

ونجح ترامب في رهانه بالعودة إلى البيت الأبيض في فوز بدون منازع أثار مفاجأة واسعة في الولايات المتحدة ترددت أصداؤها عبر العالم.

وأصبح ترامب رسميا الرئيس المنتخب للولايات المتحدة الأميركية لفترة جديدة بعد أن حصل حتى صباح الأربعاء على 277 صوتا من أصوات المجمع الانتخابي.

وبذلك، أصبح ترامب ثاني رئيس في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية يفوز بالرئاسة بدورتين غير متتاليتين.

وأحرز الرئيس الأميركي المنتخب فوزا حاسما بأغلبية أصوات المجمع الانتخابي بالإضافة إلى الأصوات الشعبية.

في المقابل، حصلت المرشحة الديمقراطية الخاسرة هاريس على 224 صوتا من أصوات المجمع الانتخابي حتى صباح الأربعاء.

وأعلن ترامب، في وقت مبكر، الأربعاء، فوزه في انتخابات الرئاسة على منافسته الديمقراطية، هاريس.

وفي كلمة ألقاها أمام أنصاره في فلوريدا، قال ترامب: “لقد كتبنا التاريخ هذه الليلة. انظروا إلى ما حدث، أليس هذا جنونيا؟”.

المصدر – الحرة – واشنطن

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.