فرنسا تتبنى نهجًا مرنًا ولا مركزيًا في إعادة تقييم دورها العسكري والمدني في أفريقيا”

باريس – عقدت الحكومة الفرنسية مجلس دفاع لإعادة النظر في وجودها في أفريقيا، سواء على الصعيد العسكري أو المدني. والهدف هو إعادة تقييم الاستراتيجية من خلال تبني نهج أكثر مرونة وأقل مركزية، ويتكيف مع احتياجات الدول المضيفة. ويتجه التقرير الذي أعده جان ماري بوكيل، والذي ينتظر صدوره قريباً، نحو هذه التحولات الاستراتيجية.

يمثل مجلس الدفاع الذي عقده الإليزيه منعطفاً في السياسة العسكرية الفرنسية في أفريقيا. حيث يتم التركيز على التعاون مع الدول الأفريقية بدلاً من الوجود العسكري المباشر. ويأتي هذا التوجه الجديد في أعقاب تقرير جان ماري بوكيل، المبعوث الشخصي للرئيس ماكرون، الذي عمل على إعادة تعريف شاملة للاستراتيجية الفرنسية في غرب إفريقيا. والقرار الرئيسي لهذا النهج الجديد هو تقليص القواعد العسكرية الدائمة، مثل تلك الموجودة في ليبرفيل ودكار وأبيدجان، والتي ستتوقف عن العمل بصورتها التقليدية.

لقد طويت بالفعل صفحة من التاريخ في معسكر ديغول في ليبرفيل (الجابون )، وسوف تطوى قريبًا صفحة أخرى في قاعدة أوكام بـ دكار (السنغال ) وقاعدة بورت بويه بـ أبيدجان (ساحل العاج) : فلن تكون هذه المعسكرات بعد الآن – بدقة – قواعد عسكرية فرنسية. وتقوم القوات المسلحة الفرنسية بتقليص وجودها الدائم وخفض العلم عن قواعدها التاريخية.

كما أُعلن عن نهاية وجود العناصر الفرنسية المنتشرة في السنغال وكوت ديفوار والجابون. وينتهي بذلك وجود القواعد الدائمة كما كانت موجودة حتى الآن. وبحلول فصل الصيف، عادت عدد كبير من عائلات العسكريين إلى فرنسا، كما يشير أحد كبار الضباط.

وقد لاقى هذا التحول في الأدوار ترحابًا كبيرًا من الدول الشريكة، كما أظهر ذلك الزيارة الأخيرة التي قام بها قائد القيادة الجديدة لأفريقيا، التي أنشئت في الأول من أغسطس الماضي، إلى كوت ديفوار. كما أن هذا الجهاز يتمتع بميزة كبيرة تتمثل في تقليل تعرض الجيش الفرنسي للطعن والحملات التضليلية حول أسباب وجوده في بعض الدول الأفريقية

من القواعد الدائمة إلى الوحدات المؤقتة

تستند الفلسفة الجديدة إلى قواعد يتم تقاسمها في البداية، ثم تقع بالكامل تحت سلطة الدول المضيفة. وبالتالي، لن يكون هناك وجود لقواعد كبيرة أو قوات كبيرة، بل ستكون هناك وحدات اتصال مشتركة بين مختلف الأسلحة، وجعل القوات الفرنسية أكثر سرية واستجابة. فبدلاً من الحفاظ على قوات كبيرة في أفريقيا، تتبنى فرنسا هيكلاً مرناً يعتمد على الانتشار المؤقت والمواقع المشتركة
مما يتيح هذا النهج للدول الأفريقية السيطرة تدريجياً على القواعد، بدعم محدود من فرنسا، والذي يقتصر على حوالي 5000 جندي منتشرين حسب احتياجات العمليات والتدريب.

أما قاعدة جيبوتي وقوتها البالغ عددهم 1500 جندي فرنسي، والتي تركز جهودها على منطقة الهند والمحيط الهادئ، فهي لا تدخل ضمن نطاق هذا التعديل. أما القاعدة في تشاد فهي مجهول المستقبل: فوحدتها التي تضم 1000 جندي تعتبر آخر بقايا للوجود العسكري الفرنسي في الساحل. والآن حان وقت اتخاذ القرارات النهائية.

رد على التحديات الحديثة

وتسعي فرنسا أيضاً إلى تكييف استراتيجيتها مع التحديات الحالية، بما في ذلك الاحتجاجات المحلية والتضليل بشأن وجودها العسكري. ومن خلال تقليل بصمتها، تأمل فرنسا في الحد من الانتقادات مع الحفاظ على كونها شريكاً موثوقاً به للأمن الإقليمي. ويتيح هذا التكوين الجديد لفرنسا الانسحاب من الدور المهيمن الذي لعبته لعقود، ومنح المزيد من الاستقلالية للقوات المحلية.

أصبحت فرق الارتباط المشتركة بين الأسلحة (DLIA)، والتي تتكون من حوالي مائة جندي، هي النقطة المركزية لهذا الجهاز. وهي تشرف على العمليات المؤقتة والخاصة، وتتكيف مع الاحتياجات المحددة للشركاء الأفارقة. وتعتبر هذه المرونة إيجابية، خاصة في دول مثل ساحل العاج، حيث كان الوجود الفرنسي يثير الجدل أحياناً. من خلال تخفيف وجودها، تعزز فرنسا شرعيتها ودورها في التدريب والمرافقة دون أن تكون في طليعة القرارات العسكرية المحلية.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.