نشأت هذه الجمهورية إثر فراغ دستورى تام عندما تراجع رئيس السلطة التشريعية عن قيادة المرحلة الأنتقالية، بعد وفاة فقيد الأمة التشادية الراحل مرشال تشاد إدريس ديبي إتنو وللخروج من تلك المعضلة قام الجيش التشادي بتكوين المجلس العسكري الإنتقالي التشادي الذي كان بخلفية عسكرية بحتة مختارة من قبل الجيش الوطنى التشادى ، ولاذ في التفكير بأن ينشأ الجمهورية الخامسة بادئا بالحوار الوطنى الشامل لربط النسيج القومى الوطنى المتفكك .
وبنهاية الحوار الشامل تم تأسيس المجلس التشريعي الإنتقالي وأعضائه عن طريق التزكية بمرسوم رئاسي بدلا من التصويت الشعبي وفور تأسيسه شرع في صياغة الدستور المسمى بالجمهورية الخامسة وعرضه للاستفتاء الوطنى لكى يتم التصويت عليه من قبل الشعب بنعم ام لا لكى يصبح دستور الدولة التشادية ويمكن وصفه قانونا بالدستور المرن.
الحوار الوطنى الشامل لعب دورا طفيفا في تحسين الأوضاع السياسية التشادية إذ بذاك الحوار إستخدم المجلس العسكري الانتقالي التشادى سياسة التفاوض مع قادات المعارضة التشادية لتقسيم كعكعة السلطة ، وفور الإنتهاء من التوقيع علي محتويات الحوار الشامل ألغي المجلس العسكري الإنتقالي التشادي وأصبحت الدولة في يد السلطة الإنتقالية علي رأسها رئيس دولة يسمي برئيس الدولة ورئيس المرحلة الأنتقالية. ولم تواجه المرحلة الإنتقالية أى إشكاليات او عقبات مستعصية في إقامة الحوار الوطنى الشامل تذكر ، بل قوبل بالرضاء التام من قبل الشعب حفاظا للإستقرار التام والمضئ قدما بالنهضة والتنمية للدولة التشادية .
ولكن الدولة التشادية منذ تاسيسها تعاني من عدم الاستقرار السياسيى المتقلب بالصراعات الداخلية عن طريق التمرد والحروب ، وتارة عبر الانقلاب ، ولمواجهة تلك الصراعات والتجاوزات أصبحت الدولة تتعامل مع معارضيها السياسين بالتفاوض ويسمي ذاك الأسلوب محليا بسياسة اليد الممدودة التى أتت بثمارها الآن بتكوين الجمهورية الخامسة .
هذه الجمهورية التى نحن بصددها الآن تحمل في جعبتها ثقل موروث يحتاج إلي قوة وإصرار ورؤي سياسية مدروسة بخطط إستيراجية حتى تتمكن من تفريغه ، ولمعالجة هذه التحديات ومواجهتها نحتاج إلي نظام مؤسسي وطنى قومى في الدولة التشادية بدءا بعناصرها الثلاث وهى الحكومة والشعب والإقليم. وان تكون الدولة خاضعة لنظام سياسي ومؤسسي معين متفق عليه فيما بيننا يتولى شئون الدولة ، وتشرف الدولة علي جميع الأنشطة السياسية ، الاقتصادية ، الاجتماعية والتى تهدف إلي تقدمها وإزدهارها وتحسين مستوى حياة الافراد، مع مراعاة التغيير والتحسين في عناصر الدولة الثلاث( الحكومة، الشعب ، الاقليم).
الحكومة : هى جزء من الدولة أى أنها هي الوسيلة أو الآلية الوحيدة التى تؤدي من خلالها الدولة سلطتها وهى بمثابة عقل الدولة وطبيعة هذه الحكومة يفترض أن تعاقب ، وترضخ للتغيير أو التعديل مع إستمرار النظام الأوسع والأكثر إستقرارًا وهى المؤسسات، وتتمتع الحكومة بسلطة مجردة غير مشخصة ، بمعني أن الأسلوب البيروقراطي في إختيار موظفي هيئات الدولة يفترض أن يجعلهم محايدين سياسيا تحصينا لهم من التقلبات الأيديولوجية الناجمة عن تغيير الحكومات لا سيما التفضيلات الحزبية التى تقلل من قوة الحكومة في صنع القرار وبالتالي تصبح الحكومة هشة في قرارتها وعدم فرض سيطرتها السيادية في الدولة، وبالذات في الدولة التشادية التى تعانى من علة الإثنية والمحسوبية ولعبة الدائرة المغلقة التى يسيطر عليها الحزب الحاكم، وتصبح الدولة عقيمة بسياساتها المتمركزة في الحزب فقط دون اللجوء إلي النظام المؤسسى للدولة ، أى بمعني أن تكون الحكومة هى المنوطة بتطبيق القانون والحاضنة لكل أبناء الوطن بكل طبقاتها وفئاتها .
عنصر الشعب : التكوين الأيديولوجي للشعب التشادى يحتاج إلي تغيير في الوعي والتكيف في قبول الوضع الحالى للدولة والالتفاف حول الحكومة بالمساندة والمشاركة في صناعة دولة ذات سيادة تامة، ويتطلب هذا الأمر تضحيات وتنازلات لكى يصبح الشعب سواسية تحت مظلة القانون في الدولة تاركين كل الانتماءات القبلية والحزبية . ثانيا يجب علي الشعب أن يكون عنصر فعال في تغيير نفسه بنفسه وأن يلتزم بحقوقه وواجباته تجاه الدولة حتى تتمكن الدولة من مراقبته ومحاسبته ومساعدته وتأمينه،. وينبغي على الدولة بذل الجهد في تحسين وضعه الاجتماعي وتلطيف بيئته بتوفير الأمن والاستقرار والتعليم والصحة وردعه بالقانون العادل الذي ما زال غائبا في أرض الواقع ، إذ نحن نعيش في ظروف غير ملائمة وغير قابلة لفرض القانون وذلك بسبب ضآلة النسبة الفئوية المتعلمة ، وإعتلاء المناصب لمن هم بعيدين كل البعد عن التعليم ، والميول الزائد في النظام القبلي الممنهج بالأفكار السلبية والمحسوببة وإعطاء الفرصة لشيوخ العشائر وغيرهم بالتحكيم في بعض الصراعات والنزاعات .
لكى تتمكن الدولة من فرض القانون يجب أن يتوفر العامل البيئي لتطبيق القانون في كل الأقاليم الخاصة بالدولة التشادية.
الأقليم :
هو ثالث عنصر في الدولة إذ يعتبر الإقليم من أهم الأساسيات التى تساعد في تنمية الدولة إقتصاديا وسياسيا إذا تم تفعيل النظام اللامركزي في الدولة أى بمعني ترك خزينة الإقليم للمنشآت والبناءات في تنشيط عجلة الاقتصاد والتنمية للاقليم ، وأن يكون الإقليم غير خاضع لعشيرة أو قبيلة واحدة بل يجب أن يكون الإقليم مرتعا لكل أبناء الوطن بدون تمييز .
أخيرا فإن الثقل الموروث في الدولة التشادية ليس أمرا سهلا في معالجته لأننا مازلنا نسلك طريق التخلف والهمجية ولا نعرف سوي الإختلاف والفرقة والابتعاد عن بعضنا البعض دون النظر في إنسانيتنا التى خلقنا بها لنكون إنسان.
علينا ان نتساءل فيما بيننا لم لا نتعايش لم لا نتغير لم لا نعيش فى ربوع هذا الوطن رافعين شعار الوحدة والوئام . لم لا نعرف ركيزة واحدة متينة تجمعنا ، ونترك القانون هو الفيصل والحكم بيننا . لماذا لا نقبل بعضنا البعض ونترك تباهينا الزائف وجهويتنا البغيضة التى أصبحت علة مجتمعنا التشادى القليل في عدده والبسيط في مطالبه من الدولة ، مع العلم بأن القطر التشادى بموقعه الجغرافي المغلق والحبيس جعل من الدولة التشادية تكون دولة إستهلاكية فقط ، وقليلة في استقطاب الاستثمارات الخارجية . وكل هذا لا يعني أن تكون الدولة مكتفة ومهددة وعديمة التنمية ، بل يجب علينا أن نتأقلم بكل الظروف المحاطة بنا ونتعامل بنطاق سياسي ذات سيادة تامة في الدولة بكل مؤسساتها.
بقلم / عمر محمد احمد…