حاجة البشرية لرسالة محمد صلى الله عليه وسلم في زمن القحط الحضاري
بقلم : مهاجري زيان رئيس الهيئة الأوروبية للمراكز الإسلامية، مسؤل الشؤون الثقافية و التعليمية بالمؤسسة الثقافية الإسلامية في جنيف.
جنيف سويسرا.
أهلَّ علينا شهر ربيع الأول، وهبّت علينا ذكريات رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر مولده، حيث يحتفل المسلمون في جل الأقطار بميلاده صلى الله عليه وسلم، ويظهرون السرور ويعتبر الفرح بمولده علامة على محبته صلى الله عليه وسلم.
لقد كرَّم الله تعالى أيام مواليد الأنبياء عليهم السلام وجعلها أيام سلام؛ فقال سبحانه وتعالى: ﴿وسَلَامٌ عليه يَومَ وُلِدَ﴾، وفى يوم الميلاد نعمةُ الإيجاد، وهي سبب كل نعمة بعدها، ويومُ ميلاد النبي -صلى الله عليه وسلم-سببُ كلِّ نعمة في الدنيا والآخرة.
وكان النبي -صلى الله عليه وسلم-إذا سُئِل عن صوم يوم الاثنين، قال: «ذاكَ يَومٌ وُلِدتُ فِيهِ» وهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم يعتبر هذا اليوم يوم مميز لذا كان صلى الله عليه وسلم يصومه.
أيها المسلمون:
رافق ظهور النبي محمّد صلى الله عليه و سلم حالة من غياب القيم، من الفوضى التي كان يعيشها العالم، عالم فقد البوصلة في تعاملاته، وسط هذا العالم وُلد المصطفى صلى الله عليه و سلم في جزيرة العرب التي غابت عنها القيم و معاني العدل والمساواة، ومن يحكم هو النسب والمال وبهما يقاس الشرف وتعطى بهما الرياسة، متجاوزين كل الأسس لِتَقلُد الحُكم، من هنا برزت حاجة العالم إلى النظام والعدل و برزت الحاجة لرسالة عالمية ومحمّد صلى الله عليه و سلم كان أجدر من يحملُ هذه الرسالة.
يمكن قراءة إلى ما قاله “مايكل هارت
Michael Hart Les 100 : classement des personnes les plus influentes de l’histoire
مؤلف كتاب العظماء المائة وأعظمهم محمد: “إن اختياري محمدًا ليكون الأول في أهم وأعظم رجال التاريخ قد يدهش القراء، ولكنه الرجل الوحيد في التاريخ كله الذي نجح أعلى نجاح على المستويين: الديني والدنيوي، ………ولكن محمدًا هو الوحيد الذي أتم رسالته الدينية وتحددت أحكامها وآمنت بها شعوب بأسرها في حياته، ولأنه أقام بجانب الدين دولة جديدة فإنه في هذا المجال الدنيوي أيضا وحد القبائل في شعب والشعوب في أمة، ووضع لها كل أسس حياتها، ورسم أمور دنياها، ووضعها في موضع الانطلاق إلى العالم، فهو الذي بدأ الرسالة الدينية والدنيوية وأتمها”.
مولد النبي المبارك كسحابة شتاء ماطرة احتاجت لها البشرية في زمن القحط الحضاري، فتنزلت على الأرض وأسقت البشر وتركتهم ينتفعون بخيرها حتى عصرنا الحاضر، ومع ابتعاد موسم الشتاء الحضاري عن عالمنا فإنَّ موسم الجفاف قد بدأ وآن للناس أن يستسقوا الحضارة من الوحي والتراث الذي تركته تلك الغيمة المباركة.
نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم تعاون مع كافة ألوان البشر في طريق خير الإنسانية، والأمة الجديدة التي أخرجت للناس مدت يدها بالسلام لكافة الأمم، محققة الأمن لكل إنسان؛ خاطبت الرسالة الجديدة كافة الحضارات القائمة، والتي كان منها: المسيحية، واليهودية، والمجوسية وأهل الأوثان، لم يحمل النبي صلى الله عليه وسلم شعار (إما معنا أو علينا) بل مارس قاعدة منح البشر حق الاقتناع بالدّين الذي يريدون اعتناقه.
يمكن مطالعة إلى ما قاله الأديب الكبير ليو تولستوي Léon Tolstoï في كتابه الشهير حكم النبي محمد Léon Tolstoï من أعمدة الادب الروسي والانساني ممن تركوا بصمة في تاريخ الأدب البشري. قال «أنا من المبهورين والمعظمين بمحمد، فهو الذي اختاره الله لتكون آخر الرسالات على يديه، ويكون هو كذلك آخر الأنبياء، فيكفيه فخرا وشرفا أنه خلص أمة ذليلة همجية دموية من مخالب شيطان العادات الذميمة، وفتح على وجوههم طريق الرقي والتقدم”
من فضائل الدين الإسلامي أنه أوصى خيرا بالمسيحيين واليهود، إذ إنه أمر بحسن معاملتهم، حتى أنه أباح لنا الزواج بالمسيحيات واليهوديات، مع الترخيص لهن بالبقاء على ملتهن، وهذا مما لا يخفى على ذوي الأبصار والعقول النيرة ما فيه من التسامح وقبول الغير و احترامه .
وجدت البشرية في ذلك المولد حياة جديدة تنتهي فيها الشرور والآثام وتبدأ في ترسيخ العدالة والمساوة بين الناس، فوجد أسود البشرة الحبشي تكاملاً مع أصفر الشعر وأبيض البشرة الفارسي صاحب العراقة والحضارة.
يا أحباب رسول الله: صفات حبيبكم وأخلاقه سحرت قلوب أصحابه وأبهرت خصومه وأعداءه.
لقد كان صلى الله عليه وسلم ودودًا عطوفًا، تجلت فيه صفات الإستقامة ودماثة الخلق، وكان حريصًا على نظافة البدن وعلى أن يراهُ الناس في أفضل صورة، ارتسمتْ في محياهُ ابتسامة جذبت كل من رآهُ وسحرت أفئدتهم حتى أصبحوا متيمين بحب نبيهم صلى الله عليه وسلم.
أيها الأحبة في الله
أذكركم بما قاله البابا السابق Benoît 16 بجامعة في ألمانيا عام 2006، تعرض لموضوع آيات القتال في القرآن الكريم، واستشهد بنص تاريخي لحوار دار بين الإمبراطور البيزنطي مانويل الثاني Manuel 2 empereur byzantin. وتضمن خطابه عبارات حول النبي محمد صلى الله عليه وسلم أثارت احتجاجات واسعة بدول إسلامية، مما دفع البابا حينها للاعتذار.
أريد أن ألفت انتباهكم إلى ردة فعل أحد الأئمة الإمام بنيامين إدريس الذي ألف كتابا باللغة الألمانية يعرّف بالرسول الكريم وأهداه لبابا روما السابق والحالي.
عندما قرئاه نال إعجابهما، ووجّه بابا الفاتيكان الحالي فرانشيسكو
Pape François وسلفه بينديك السادس عشر Benoît 16 رسالة شكر للإمام بنيامين إدريس.
وفي الرسالتين ثمّنا ما تضمنه كتابه من التعريف بالرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ومن تصحيح لتصورات سلبية سائدة عن الإسلام ورسوله الرحمة المهداة للعالمين، وأدخل هذا الكتاب مكتبة الفاتيكان، وبهذا العمل الحضاري مد الإمام جسور من الاحترام المتبادل بين الإسلام والمسيحية. هذا ما نريده من أئمتنا أن يتقنوا فن الرد على الإستفزازات.
بقلم : مهاجري زيان رئيس الهيئة الأوروبية للمراكز الإسلامية، مسؤل الشؤون الثقافية و التعليمية بالمؤسسة الثقافية الإسلامية في جنيف.
جنيف سويسرا.